عمالة آل سعود لبريطانيا وأميركا قائمة منذ ان حارب دولة الخلافة العثمانية
يلماز دوغان


اعترف عادل الجبير مستشار ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بوجود تنسيق أمني عالي المستوى بين الحكومة السعودية والولايات المتحدة الأميركية في مكافحة الإرهاب، وقال بأننا قد طلبنا من أصدقائنا الأميركيين أن يساعدوننا في مواجهة (الإرهابيين) كونهم يملكون الخبرة والإمكانيات التي لا تتوفر لدينا، وكشف عن وجود أميركيين يعملون مع السعوديين جنباً إلى جنب في ملاحقة (الإرهابيين) على حد قوله.
إن هذا الاعتراف العلني للدولة السعودية بوجود علاقة أمنية مع أميركا، وبوجود تنسيق أمني وثيق مع الحكومة الأميركية، يعتبر الأول من نوعه منذ مدة طويلة، إذ كان المسؤولون السعوديون يتكتمون على هذا النوع من العلاقات المشينة، وكانوا يحاولون التستر على كل عمل سياسي أو أمني في السعودية يشارك فيه رجال أل CIA، أو عناصر الأمن الأميركيين، أو من يُسَمّون بالخبراء وبالمتخصصين وما شاكل ذلك من مسميات وتسميات.
إن هذا الاعتراف السعودي بوجود رجال أمن أميركيين في داخل أراضي الجزيرة العربية ويتدخلون في أخص الشؤون الداخلية للدولة، يكشف عن علاقات خطيرة بين آل سعود وبين الأميركيين منذ عهود طويلة، وليست هذه العلاقة الأخيرة سوى قطرة صغيرة في بحرٍ واسع من العلاقات السرية المنتظمة والمطّردة تشمل جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية فضلاً عن الأمنية والتجسسية.
إن هذه الدولة المصطنعة المسماة (السعودية) ومنذ تأسيسها، أوجدها الكفار المستعمرون لكي تكون معول هدم فعّال لهم في تدمير الدولة الخلافة الإسلامية التي كانت اسطنبول مركز اشعاعي للدين الاسلامي الحنيف، ومن ثم لتكون عقبة كأداء في وجه العاملين لإعادة بنائها .
فبريطانيا في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي وعن طريق عميلها عبد العزيز بن محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى سعت إلى ضرب الدولة الخلافة العثمانية الإسلامية من الداخل، وذلك عن طريق إيجاد كيان سعودي وهّابي داخل الدولة العثمانية، حيث قامت بريطانيا بدعم هذا الكيان المذهبي بالمال والسلاح للاستيلاء على أراضي الجزيرة الخاضعة لسلطان الخلافة العثمانية آنذاك، فرفع الوهابيون السيف في وجه الخليفة الاسلام ، وقاتلوا جيش أمير المؤمنين بتحريض من الإنجليز وإمداد منهم، لأخذ البلاد من الخليفة، وحكمها حكماً مذهبياً بالقوة وحد السيف، فأغاروا على الكويت سنة 1788م واحتلوها، ثم واصلوا تقدمهم إلى الشمال حتى حاصروا بغداد، وكانوا يريدون الاستيلاء على كربلاء، وعلى قبر الحسين لهدمه ومنع زيارته. ثم في سنة 1803م شنّوا هجوماً على مكة المكرمة واحتلوها، وبعد ذلك بسنة احتلوا المدينة المنورة وخرَّبوا فيها القباب الفخمة التي تظلل قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وجرَّدوها من جميع النفائس، وبعد الانتهاء من الحجاز ساروا إلى الشام وهاجموا دمشق وبسطوا سلطانهم على أكثر أراضي الشام حتى حلب. وقضو على حكم دولة الخلافة في تلك المناطق بمساعدة الانكليز
فآل سعود عملاء للإنجليز منذ تأسيسهم لأول دولة لهم في داخل دولة الخلافة، استغلوا المذهب الوهابي للقيام بأعمال سياسية لضرب الدولة الإسلامية وللاصطدام مع المذاهب الأخرى، ولإثارة حروب مذهبية داخل الدولة العثمانية، ولكن هذه الدولة العميلة قدّر الله سبحانه لها أن تنتهي في سنة 1818م على يد عميل فرنسا محمد علي والي مصر آنذاك.
وفي أوائل القرن العشرين وجدت بريطانيا أن آل السعود هم أفضل من يُستخدم في تثبيت الاستعمار البريطاني بعد سقوط الدولة العثمانية، لذلك مكّنوهم من الحجاز ونجد وأخرجوا عملاءهم الهاشميين من الحجاز، وعوَّضوهم عنها في الأردن والعراق.
وبعد ظهور النفط بكميات كبيرة، وتذوق الأميركيين لطعمه، طالبت أميركا رسمياً بريطانيا بإعطائها حصة في نفط الخليج، فرفضت في البداية بريطانيا ذلك، ولكن وتحت الضغط أعطتها حصة في نفط السعودية واستأثرت لنفسها بنفط إيران والعراق والكويت وقبلت بريطانيا بإعطاء أميركا نفط السعودية لسببين هما:
1- مكافئة لها على مساعدتها إياها في الحرب العالمية الأولى.2- استخدامها في حروبها في المستقبل لمساعدتها في مواجهة أعدائها.
ولكن بريطانيا وإن أعطت أميركا النفط في السعودية، ولكنها احتفظت لنفسها بالسيادة والسيطرة العامة على الجزيرة عسكرياً وسياسياً، وتم تعيين مستشارين (حاكمين) للملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الحالية: أحدهما بريطاني وهو مستشار سياسي وعسكري والثاني أميركي وهو مستشار نفطي اقتصادي. وهكذا ومنذ ظهور النفط في الجزيرة أصبحت السعودية بقرة حلوباً لأميركا وما زالت كذلك حتى الساعة.
ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية جاء روزفلت الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط واجتمع بالملك عبد العزيز في قناة السويس على ظهر الطراد الأميركي (كوينسي)، وقال له الملك عبد العزيز: "أنت أخي وكنت أشتاق دائماً إلى رؤيتك، وأريد أن يكون تعاملي معك أنت وليس مع غيرك لأنك رجل مبادئ ونصير حقوق ونحن العرب نتطلع إليك في طلب العدل والانصاف من تحكم واستبداد الأخرين (يعني الإنجليز)" ومنذ ذلك التاريخ تحولت السعودية تحولاً كاملاً إلى أميركا، وقول عبد العزيز "أريد أن يكون تعاملي معك أنت وليس مع غيرك" وقوله "نحن العرب نتطلع إليك في طلب العدل والانصاف من تحكم واستبداد الآخرين" يشير صراحة إلى أنه انتقل إلى موالاة أميركا موالاة تامة في جميع الشؤون بعد أن كان موالي للإنجليز في بعضها وموالياً لأميركا في بعضها الآخر.
وأكمل ابنه سعود مسيرة العمالة لأميركا من بعده إلى أن تم إقصاؤه عن الحكم وعاد الإنجليز إلى السعودية في زمن الملك فيصل. لكن أميركا لم تهدأ في العودة بقوة إلى السعودية ونجحت في العودة إليها تدريجياً بعد قتل الملك فيصل عن طريق ابن أخيه القادم من أميركا، ثم بعد موت الملك خالد الذي كان أبلهاً لا علم له بالسياسة، عادت أميركا وحسمت الأمور لها نهائياً مع تولي الملك فهد للحكم الذي صرّح في إحدى سهراته في أميركا لمجلة تايمز الأميركية: "لقد أخطأ أتاتورك لأنه سعى لهدم الإسلام من الرأس أما أنا فسأهدمه من الجذور".
وفي حكم الملك فهد الطويل أقامت أميركا في السعودية القواعد العسكرية الضخمة كقاعدة الأمير سلطان وأخذت من آل سعود جميع الامتيازات المطلوبة، وحوّلت الجزيرة العربية إلى منطقة عسكرية أميركية مغلقة استخدمتها استخداماً فعالاً في حروب الخليج الثانية والثالثة.
هذه هي العلاقات السياسية السرية منها والعلنية بين آل سعود وأميركا، ومن قبل بينهم وبين بريطانيا، تلك العلاقات التي جعلت من أرض الجزيرة أرض الحرمين الشريفين ترسانة عسكرية أميركية كبيرة، والتي مكَّنت أميركا عن طريقها من التحكم في أكبر صنبور للنفط في العالم أجمع.
لذلك كله، لا يصلح التغيير في جزيرة العرب عن طريق مهادنة آل سعود الذين أُشربوا الخيانة حتى الثمالة، واستمرؤا العمالة وأصبحوا عريقين فيها وتوارثوها كابراً عن كابر وجيلاً بعد جيل.
فهذه الأسرة الحاكمة لأرض الجزيرة لا يصلح معها إصلاح ولا تغيير، فلا ينفع معها إلا الخلع من الجذور، ولعل طريقة القائد العثماني محمد علي في التعامل معها قبل مائة وست وثمانين عاماً هي الأكثر نجاحا حيث أرسل ابنه طوسون واحتل المدينة وقهرهم في العام 1812م، ثم أرسل ابنه إبراهيم فسحق الوهابيين سحقاً حتى تراجعوا إلى عاصمتهم الدرعية، وتحصنوا فيها، وتابعهم هناك، ودكّت جيوشه الدرعية دكاً حتى يقال أنه حرثها بالمحراث حتى لا يبقى لها أثر.
إن هذا التاريخ الأسود لهذه العلاقات السعودية مع أميركا وبريطانيا لا يمكن التخلص منه إلا بالتخلص من الدولة السعودية نفسها وإزالتها من الوجود، وعلى العاملين في حقل الدعوة الإسلامية أن يدركوا هذه الحقيقة، وأن لا يقبلوا بالمساومة وبالحلول الوسط مع مثل هذه الحقيقة، وأن لا يقبلوا بالمساومة ولا بالحلول الوسط مع مثل هذه الدولة العميلة المفتعلة والتي ما وجدت إلا من أجل ضرب الإسلام والحيلولة دون عودت دولة الخلافة الاسلامية العثمانية .